خلال الفترة الماضية كنت قد دُعيت و حضرت العديد من الجلسات و النقاشات حول المجتمع المدني , و في جميع هذه النقاشات كان هناك فجوة معرفية بين اغلب الحضور متعلقة بالتفريق او بمعضلة استخدام مصطلح " المجتمع الاهلي أو المجتمع المدني "
و هذه الفجوة مرتبطة بعدم القدرة على التفريق بين الحالتين او عدم معرفة تعريف كل مصطلح و غالبا ما كانت تتحول النقاشات الى رمي مصطلحات دون معرفة بين الحضور . في بداية محاولتي البحث لتعلم اساليب و طرق النقاش و الحوار كان هناك قاسم مشترك بين كل ما قرأت مهما اختلف التوجه و هو ان اي نقاش يجب ان يبدأ بتعريف المصطلحات , فالكثير من النقاشات تتحول الى جدل بيزنطي بسبب ان طرفي النقاش لم يُعَرفوا مصطلحاتهم فيصلون الى طريق مسدود علما أنهم في الباطن يتحدثان عن ذات الافكار
حاولت خلال الفترة الماضية البحث في موضوعات المجتمع المدني و غرقت جداً بالبحث لشح المصادر العربية أولاً و لمعضلة تعريف المصطلحات دون تعريف الافكار و في هذا المنشور احاول فقط تجميع بعض ما وصلت اليه حول هذا الموضوع : ان المفهوم ابن بيئته التاريخية و الإجتماعية و ابن الفكر السياسي الذي نشأ فيه و إن خبرة العلاقة بين المجتمع المدني و الدولة في الغرب ادت الى ايجاد نوع من الاعتماد المتبادل بينهما في الادوار بما يحقق مصالح الحضارة الغربية و افكارها
كل من يقرأ عن المجتمع المدني سيلاحظ اسم المفكر الايطالي انطونيو غرامشي الذي ترك اكبر الاثر في هذا المفهوم و استخداماته المعاصرة اذ طرح موضوع المجتمع المدني في اطار السيطرة و الهيمنة الطبقية و استخدمه في اعادة بناء استراتيجية الثورة الشيوعية في بلاده و وفق هذا المنظور فإن المجتمع المدني يعد المجال الذي تتجلى في الهيمنة الاجتماعية و اداتها المثقفون و الثقافة في مقابل المجتمع السياسي أو الدولة الذي تتجلى فيه القيادة المباشرة
و بعد عدة مراحل مر فيها المجتمع المدني يمكننا ان نقول انه تبلور في التالي " مجموعة من التحالفات بين المنظمات غير الحكومية و الاجتماعية تتصدى للحسابات الاقتصادية و التجارية من منطق اعطاء الأولوية للحسابات الاجتماعية و لتأكيد قيم العدالة و المساواة بين المجموعات البشرية " ايضاً " ان الحرية الفكرية تشكل اساس المجتمع المدني و المجتمع المدني يجب ان يكون مجتمع القانون و النظام "
و رغم ذلك فإن الامر الحاسم لقيام المجتمع المدني هو الاعتراف المتبادل بين الدولة من جهة و المجتمع المدني من جهة اخرى في مشروعية الحق في العمل و مزاولة جميع الانشطة دون معوقات
و هنا يجب التأكيد على فكرة مهمة مرتبطة بهذه الحرية و العلاقة مع الدولة و هي ان المجتمع المدني لا يجب بإي حال من الاحوال ان يهدف الى الوصول الى السلطة فهو يحتفظ بحقة في الضغط و المساءلة دون اي هدف في الوصول الى السطلة " هذا ما يميزه فعلياً عن الاحزاب " و ايضا فأن اهم صفة من صفات المجتمع المدني هو عدم اللجوء الى العنف فهو لا يمارس إلا الوسائل السلمية المتحضرة المتمثلة في رفع المطالب و ابداء الملاحظات و الحوار مع الجهات المعنية و استخدام وسائل الاعلام و الاتصال للتوضيح , يمكننا ايضا ملاحظة مجموعة من الصفات للمجتمع المدني منها الحالة الطوعية القائمة على الارادة الحرة الغير مفروضة من أحد للقيام بالخدمة دون توقع الاجر ايضا يمكننا الحديث عن استقلالية المجتمع المدني و تنظيمه الخاضع للقانون و الذي يتيح حرية التأسيس و يحدد العلاقات
و هنا يمكننا البدء في التفريق بين المجتمع المدني و الأهلى فبالعودة الى البداية يجب علينا البحث عن المفهوم ضمن بيئته التاريخية و الاجتماعية فالمجتمع الاهلى هو الحالة البدائية القائمة على علاقات المجتمع التقليدية من عائلية و عشائرية و قبلية و طائفية و التي تستند الى علاقات القرابة و الجوار و المذهب او الدين فهي حالة مغلقة على عكس المجتمع المدني الذي يشكل حالة مفتوحة لا تحدها هذه العلاقات و هنا يمكننا
تعريف المجتمع المدني حسب هِلمَت آنهاير
بأنه: المجال الواقع خارج نطاق الأسرة والحكومة والسوق، حيث يتجمع الناس طواعية لرعاية مصالحهم المشتركة المبنية على التمدن يمكن البحث اكثر في التفاصيل الخاصة بالمجتمع المدني و العلاقة بينه و بين افراد المجتمع من جهة و علاقته بالسلطة من جهة اخرى و الحديث يمكن ان يتشعب ايضا لاهداف هذا المجتمع و لكن في هذا المنشور فقط حاولت توضيح فارق جوهري بين فكرة المجتمع المدني و فكرة المجتمع الأهلي و الاختلاف الجذري بين الحالتين من حيث طريقة التشكيل و التأسيس والاهداف و شكل العلاقات بين الافراد في الحالتين